الأربعاء، 23 أغسطس 2023

حكم في تربية الاولاد {الاطفال}


كلمات نيرة في تربية الطفل من كلام الشيخ مصطفى الغلاييني (1)
    الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد سيِّدِ الأولين والآخرين، وأفضل المربِّين، وعلى آله الطاهرين الطَّيبين، وأصحابه الغرِّ الميامين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
    وبعد:
    فهذه كلمات مختارات من كلام الشيخ الأديب النَّحوي مصطفى الغلاييني رحمه الله، في موضوع تربية الطِّفل، وهو موضوع مهمٌّ يهمُّ كلَّ مربٍّ؛ لذا استحقَّ عناية فائقة من المربِّين، خاصَّة في هذا الزَّمن الذي وهنَت فيه التربية في أوساط أبناء المسلمين - إلَّا من رحم الله - فأردتُ أن أنفع وأُذكِّر بها إخواني، وأجزم أنَّ القارئ لكلام الشيخ لا يعدم فائدةً، خاصة من جهة أسلوبه الرَّصين، وبيانه الفصيح.
    وليس لي في هذا العمل إلاَّ الانتقاء من كلام الشيخ من كتابه "عظة الناشئين"[1] وجعلها على شكل فقرات ووضع عناوين لها.
    أهمية تربية الأطفال:
    • إنَّ هؤلاء الأطفال سيكونون في المستقبل رجالاً، فإذا تعوَّدوا الأخلاقَ الصَّالحة التي تُعلي شأنَهم، وحصَّلوا من العلوم ما ينفعون به وطنَهم، كانوا أساسًا مكينًا لنهضة الأمَّة.
    وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، وإن استعادوا[2] سافلَ الأخلاق، وهجروا العلمَ الذي هو سببٌ لحياة الأمم، كانوا ويلاً على الأمَّة، وشرًّا على البلاد التي يقطنونها.
    التربية أيُّها القوم أمرٌ عظيم الخطر كبيرُ القيمة.
    و"الطفل - كما قال الغزالي - أَمانة عند والدَيه، وقلبُه الطَّاهر جوهرة نفيسَة، خالية من كلِّ نقشٍ وصورة؛ فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه، نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشارَكه في ثوابه أبواه وكلُّ معلِّم ومؤدِّب، وإن عُوِّد الشرَّ وأُهمل، شَقي وهلَك، وكان الوِزر في رَقبة وليِّه والقيِّم عليه".
    مفهوم التربية:
    • التربية هي غَرس الأخلاق الفاضِلة في نفوس النَّاشئين، وسَقيها بماء الإرشاد والنَّصيحة، حتى تُصبح مَلَكةً من مَلَكات النَّفس، ثمَّ تكون ثمراتها الفضيلةَ والخير وحبَّ العمل لنفع الوطن.
    على أي شيء يُربَّى الطفل؟
    • تجب تربيةُ الطِّفل على الشَّجاعة، والإقدام، والجود، والصَّبر، والإخلاص في العمل، وتقديم المصلحة العامَّة على المصلَحة الخاصَّة، وشرف النَّفس، والجرأة الأدبيَّة، والدِّين الخالِص من الشَّوائب، والمدنيَّة المنزَّهة عن الفساد، والحريَّة الصحيحة في القول والعمل، وحبِّ الوطن.
    وعلينا أن نربِّي فيه ملَكة الإرادة، والصِّدق، وحب إِعانة البائسين، والمشروعات النَّافعة، وأن نعوِّده القيام بالواجب، إلى غير ذلك من الأخلاق الشَّريفة، وأن نُباعد بينَه وبين أضداد هذه الأخلاق.
    أخطاء قاتلة في تربية الطفل:
    • ولكن الحال اليوم عندنا على غير ما شرحناه:
    فالطفل - وهو في اللفائف - يخوّفه أَبواه بالغيلان والبعابع إرهابًا له؛ ليخلُصا من صراخه، وما يدريان أنَّ نفس الطِّفل كالشمعة اللَّيِّنة، قابِلة لكلِّ نقشٍ، أو كناقل الهيئة الفوتغراف، ينطبع في زجاجَته كلُّ صورة، فإذا ما نشأ عاودَته تِلك النُّقوش والصُّوَر التي طبعَها في مخيَّلته أبواه، حتى إذا رأى غيرَ شيء ظنَّه شيئًا، فكانت حياته - بما جنياه عليه - حياةَ خوفٍ وجبن وأوهام.
    فإذا جاوَز الطِّفلُ دَور الطُّفولة إلى دورٍ غيره، فكان دارجًا[3]، فحَفِرًا[4]، فيافعًا[5]، أَخذا يربِّيانه تربيةَ الحيوانات العجم، بالانتِهار تارة، وبالضرب المبرِّح تارة أخرى، ولا تسل عمَّا يسمعه مِن أبويه، من بذيِّ الكلام، والكذب والنِّفاق، بَلْهَ ما يكسبه من سيِّئ الأخلاق، وكثيرًا ما تكون حياته المدرسيَّة ليست خيرًا من حياته البيتيَّة، خصوصًا إذا كان الأستاذ أو المربِّي ممَّن غلظَت طباعُهم، وخشنَت أخلاقُهم، وفسدَت ضمائرُهم، وإن دفع إلى مدرسة كاملة، فإنَّه يضيِّع في بيته ما كسبه في مدرسته؛ ا. ه كلام الشيخ رحمه الله.
    [1] انظر: عظة الناشئين للشيخ مصطفى الغلاييني ص (188)، المطبعة العصرية بيروت.
    [2] هكذا وردَت في الأصل، ولعلَّ الصواب: تعوَّدوا، والله أعلم.
    [3] الدارج: الصبي الذي دب ونما.
    [4] الحفر: الصبي الذي سقطت رواضعه؛ وهي أسنانه التي تنبت وهو في الرضاعة.
    [5] اليافع: من قارَب البلوغ، أو هو من قارَب العشرين من عمره. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق